منذ الحرب الاهلية الكورية عام 1950-1953 ، والتي نتج عنها تقسيم كوريا الي دولة شمالية واخرى جنوبية ، كانت ومازالت الولايات المتحدة منخرطة جداً بالازمة الكورية التي كادت أن تشعل حربً كونية بين الاتحاد السوفيتي سابقاً والولايات المتحدة .
استمرت سياسة كوريا الشمالية المتأرجحة بين الانصياع للإرادة الدولية تارة والخروج عنها تارة أخرى – فمنذ عام 1985 وكوريا الشمالية تهدد بالانسحاب من معاهدة الحد من انتشار الاسلحة النووية ، ونفذت تهديدها عام 1993 ، ولكن الولايات المتحدة برئاسة بِل كلينتون والجهود الدبلوماسية التي قادها “جيمي كارتر” الرئيس الامريكي الأسبق ، استطاعت الوصول الى “اتفاق الاطار” والذي بموجبه أعلنت كوريا الشمالية عودتها الى معاهدة حظر الاسلحة النووية عام 1994 .
ولكنها عادت مرة اخرى للتراجع عن الاتفاق الدولي ، وأعلنت إنسحابها من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية في يناير 2003 ، وبعد عامين انعقدت جولة مباحثات دولية ” سداسية ” حضرتها روسيا والصين وكوريا الشمالية والولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية ، ونتج عنها “اعلان بكين” 2005 ، نص على التزام كوريا الشمالية بمعاهدة حظر الانشطة النووية غير السلمية ، ولكن بعد يوميين فقط تنصلت كوريا الشمالية عن الاتفاق معلنةً بأن أمريكا تريد تجريدها من أسلحتها النووية لتعود وتهاجمها !!!
كما لم تلتزم كوريا الشمالية بحظر تجارب الصواريخ التي تهدد فيها جيرانها ، وقامت بتطوير ترسانة صواريخها من نوع “هواسونغ ” وهو النسخة الكورية الشمالية من الصاروخ “سكود ” الروسي ، وفي أخر استعراض عسكري في شهر ابريل 2017 كشفت عن اخر نسخة منه ” هواسونغ12 ” متوسط المدى ، بالإضافة لما تملكه من صواريخ ” نودونغ ” ذات مدى يبلغ 1300 كم ، وصاروخ “موسودان” الذي يبلغ مداه حوالي 2500 كم ، وصاروخ ارض ارض متوسط الى بعيد المدى يطلق من الغواصات يدعى “بوكغوكسونغ” .
تملك كوريا الشمالية رابع جيش بالعالم بعدد 1.9مليون جندي ، ومع كل تلك الترسانة الصاروخية المتطورة ، وإنتاجها لرؤوس نووية تقدر مابين 60-10 بحسب مصادر استخبارية مختلفة ، فإن اندلاع حرب في منطقة آسيا-والمحيط الهادئ خاصة ، ستكون كارثية .
حاولت الصين الحليف الرئيسي تهدأت ” بيونغيانغ ” ولم تنجح ، بالرغم ان كوريا الشمالية تمثل الحزام الأمني والعازل للصين إلا ان الأخيرة حاول الضغط عليها مستخدماً حظراستيراد الفحم منذ فبراير 2017 وحتى آخر العام ، لثنيها عن الاستمرار بتجاربها النووية ، اما بالنسبة للتجارب الصارخية فإن وجه النظر الروسية والصينية ترى بانه مادامت لم تصل الي مرحلة اطلاق صواريخ بعيدة المدى فلايجب فرض عقوبات دولية جديدة على كوريا الشمالية .
تبدو الولايات المتحدة في عهد الرئيس “ترمب” متذبذبة كعادته ، ففي مقابلة لتلفزيون بلومبرغ في 1مايو الماضي ، وصف “ترمب” الرئيس الكوري الشمالي بإنه رجل ذكي استطاع في سن العشرين ان يحافظ على حكمه في وسط جنرالات كبار ، وأبدى استعداده للقاء “كيم جونغ أون” ، في الوقت المناسب وقال “سيشرفني فعل ذلك”.
وبعد شهرين عاد ” ترمب ” ليؤكد في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الكوري الجنوبي ” مون جيه إن ” إن عهد الصبر الإستراتيجي مع برامج كوريا الشمالية النووية والصاروخية قد انتهى ويؤكد أنه يجب الرد بحسم .
ختاماً- من الواضح ان – لا الحلفاء يستطيعون تعديل السلوك الكوري الشمالي ولا الأعداء يستطيعون إرغامه .
ربما تهديدات ” بيونغيانغ ” الأخيرة بضرب جزيرة غوام التي تملك الولايات المتحدة فيها قاعدة عسكرية وجالية تفوق 120 الف امريكي ، أرغمت امريكا اخيراً على التفاوض معه سراً ، وحتى جلسة مجلس الامن الأخيرة التي انعقدت لمناقشة التجارب الصاروخية لكوريا الشمالية التي اخترقت سماء اليابان لم تسفر عن نتيجة مُرضية لامريكا .
الخلاصة – جميعنا نتذكر أزمة الصواريخ الكوبية بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة عام 1962 ، التي كادت ان تتحول الى حرب نووية مدمرة للعالم ككل ، لولا حكمة إدارة الرئيس الأمريكي كيندي والرئيس السوفيتي خرتشوف بإدارة الازمة ، وربما تتكرر نفس تلك الازمة بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة في المستقبل القريب ، ولكننا نشك كثيراً بحكمة الرئيس الأمريكي “ترمب” والرئيس الكوري الشمالي ” كيم جونغ أون” في إدارة الازمات ، والذي سيتحمل عاقبتها حلفاء أمريكا بالمحيط الهادي .
ملاحظة – الأسلحة النووية ليست للاستخدام بل للردع ، كوريا الشمالية في ميزان القوى تبقي متأخر نسبةً للولايات المتحدة ، ولكن اذا ما امتلك الأسلحة النووية والصواريخ بعيدة المدى ، فإنها ستمثل رقم صعباً في ميزان الرعب النووي .
عادل عبدالله المطيري
@almutairiadel