تبدوا صورة العراق مابعد داعش صورة غاتمة ، فمشاهد المدن السنيّة المدمرة في الغرب العراقي ، ومعاناة أهاليها المستمرة بين إجرام داعش و إجرام الحشد الشعبي ، اضعفت المكوّن العربي السُنّي في العراق ، لتتلاشى أهميته في المعادلة السياسة العراقية ، فلم تعد هناك دولة حقيقة تحتويه ولا جيش وطني يحميه من بطش الأخرين .
اما حالة الأكراد – ثاني أهم المكوّنات السياسية في العراق ، فيبدوا انهم يسعون بقوة للخروج من المعادلة السياسية العراقية طواعيّةً ، عن طريق الإنفصال وتأسيس دولتهم الخاصة بهم ، فمع كل يوم يزداد إصرار الاكراد على اجراء استفتاء حول الإنفصال ، رغم رفض الحكومة العراقية المركزية للفكرة ووصفها بالاجراء الأحادي وغير الدستوري .
وكذلك رفضت دول الجوار إنفصال الأكراد، وجاءت ردة الفعل الإيرانية بواسطة محمد باقري رئيس القيادة العامة للقوات المسلحة الايرانية، والخبير في قتال الأكراد، بعبارات تحمل تهديداً غير مباشر، عندما قال ” أن استفتاء كردستان يشكل أساساً لبدء سلسلة من التوترات والمواجهات داخل العراق ودول الجوار”.
وكذلك جاء الرد التركي على لسان وزير خارجيتها مولود شاويش أوغلو، محذراً فيه ” بأن استفتاء استقلال كردستان العراق سيؤدي إلى حرب أهلية لا يحمد عقباها”.
اما حالة الشيعة -المكوّن السياسي الأهم في العراق الحالي، والذي تتقاسم زعامته الروحية فيه، ثلاثة شخصيات هي ” المرشد الايراني على خامئني -آية الله على السيستاني ، ومقتدى الصدر” .
وتتوزع زعامته السياسية بين الكثيرين ، ومن أبرزهم ، نوري المالكي والذي يوصف بأنه “رجل ايران في العراق” ، و حيدر العبادي رئيس الوزراء الحالي ، ورجل الدين الشيعي مقتدى الصدر ، واياد علاوي رئيس القائمة العراقية .
المعركة القادمة في العراق سيدور رحاها بين مكوّنات الطائفة الشيعية ، فمن المتوقّع استمرار الدعم الايراني للمالكي وائتلافه الشيعي في الانتخابات القادمة ، بينما لن يقبل مقتدى الصدر الاستمرار في لعب دور المرجح بين المتنافسين على رئاسة الحكومة مقابل الفتات السياسي الذي يحصل عليه .
وأما زعيم القائمة العراقية اياد علاوي فتزداد حظوظه بتشكيل الحكومة المقبلة بعد الانتخابات القادمة عام 2018 ، خصوصاً مع تزايد الانشقاقات داخل الائتلاف الوطني العراقي .
لايستبعد المراقبين للشأن العراقي من إمكانية أن يتحوّل التنافس السياسي بين الزعماء الشيعة الي صراع مسلح ، خصوصاً ان اغلب اطراف النزاع تمتلك ميليشا مسلحة وان انطوت تحت مايسمى بالحشد الشعبي والبالغ عدده 140 الف مقاتل بحسب الميزانية الحكومية للهيئة العامة للحشد الشعبي ، وهو بذلك يُعدّ القوة المسلحة الأكبر في العراق .
ويتمتع المالكي بولاء اغلب مقاتلي الحشد الشعبي من المنتمين للفصائل السبع المهمة وهي ” منظمة بدر، وعصائب أهل الحق، وكتائب حزب الله، وكتائب سيّد الشهداء، وحركة حزب الله النجباء، وكتاب الإمام علي، وكتائب جند الإمام” .
بينما يمتلك مقتدى الصدر سرايا السلام الصدرية الذي أنشأت عام 2014 من عناصر جيش المهدي سابقاً .
وهناك سرايا الجهاد وسرايا العقيدة وسرايا الشورى كلها تابعة للمجلس الاعلي الاسلامي العراقي بقيادة الحكيم ومرجعيتها الدينية تعود للسيستاني ، وهي مخصصة لحماية العتبات المقدسة فقط .
ختاماً – في العراق هناك صراعات سياسية ومرجعية دينية من المرجح ان تتخذ الطابع المسلح قريباً ، خصوصاً ان الحرب الباردة بين ايران والسعودية ستنعكس على الساحة العراقية ، وربما زيارة مقتدى الصدر الشهر الماضي الى السعودية والتي أدت الى انقلابه على الكثير من مواقفه السابقة ، ومنها تهديده ووعيده للسعودية عام 2016 بسبب اعدامها رجل الدين الشيعي السعودي نمر النمر ، مقارنةً بتصريحه الاخير والذى امتدح فيه الرياض ووصفها ” بالأب للجميع ” .
وكذلك شاهدنا رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي ووزير داخليته قاسم الأعرجي بعد زيارتهم للسعودية ، حيث بدوا وكأنهم يحاولون الجمع بين تحالفهم مع ايران وصداقتهم الجديدة بالسعودية ، فخرجت تصريحات الاعرجي حول مبادرة الوساطة العراقية بين ايران والسعودية .
الخلاصة – خروج العراق من قبضة ايران او على الاقل تحييده في الصراع الحالي سيكون ضربة موجعة للإيرانيين وانتصاراً عظيماً للخليجيين ، والعكس صحيح ، فربما تبدأ ايران عن طريق حشدها الشعبي في العراق وبعد زوال الخطر الداعشي بفتح جبهة جديدة وحرب بالوكالة مع الخليجيين .
عادل عبدالله المطيري
almutairiadel@