منذ بداية حركة التحرر العربية من الإستعمار الغربي ، حتى خروج آخر دولة خليجية من الانتداب البريطاني ،لم تكن الدول العربية تعتمد إعتماداً كلياً على الخارج في توفير حمايتها ، بإستثناء بعض الحالات العابرة والمؤقتة ، كحالة ” الازمة الكويتية العراقية ” في عهد الرئيس عبدالكريم قاسم 1961، والذي هدد بضم الكويت بعد ان أعلنت استقلالها وإلغاءها لاتفاقية الحماية البريطانية ، مما أطرّها مرة أخرى بالاستعانة بالبريطانيين مؤقتاً فقط ، حيث تم إستبادل الجنود البريطانيين بالقوات العربية .
كما لاتوجد قواعد عسكرية غربية دائمة في الدول العربية بإستثناء قيادة الأسطول الخامس الأمريكي في البحرين .
استمر المشهد الاستراتيجي العربي هذا ، حتى غزو العراق للكويت 1990 ، وماترتب عليه من وجود دائم للقوات الامريكية في الكويت وبعض دول الخليج العربي ، بالإضافة الي التسهيلات العمانية للقوات الامريكية اثناء الحرب على طالبان والقاعدة بأفغانستان منذ عام 2001.
أما بعد سقوط نظام صدام بالعراق عام 2003 ، فلا تكاد دولة عربية تخلو من وجود عسكري غربي وخصوصاً الامريكان ، لقد ازداد الوجود العسكري الامريكي والاعتماد عليه من قِبل دول المنطقة العربية ، خصوصاً مع تسارع وتيرة الصراع السياسي الطائفي بين السعودية وايران ، وتدخل الاخيرة في الشؤون العربية الداخلية ، وبعد الاتفاق النووي الايراني اومايسمى بخطة العمل الشاملة المشتركة 2015 ، والذي يعتقد الكثيرين بأنه سيزيد من قوة ايران الاقتصادية وبالتالي نفوذها العسكري والسياسي .
يبدوا ان ” العرب ” تورطوا بعلاقة استراتيجية مع الولايات المتحدة ، حيث باتت تؤمن حماية أغلب الدول العربية من تهديدات بعضها البعض ، واقصد الدول العربية الآخرى !
وكذلك في الصراع الخليجي الايراني ، حيث تظهر الولايات المتحدة بصورة الداعم الرئيسي للخليجيين ولو بشروط ، واما في الدول العربية ذات الثورات والثورات المضادة ، فلو لا اصطفاف الولايات المتحدة مؤخراً مع أنظمتها السياسية والتي وفرت لها الشرعية الدولية والدعم الاقتصادي لما بقيت الى الآن .
ورطتنا الاستراتيجية مع الامريكان ظهرت جليّاً مع تغيّر الادارة الامريكية ، والتي نتج عنها إختلاف كبير في السياسات بين الرئيس الحالي “ترامب” و الرئيس السابق “اوباما” ، ففي العلاقات الإسرائيلية العربية لم تنقل ادارة اوباما السفارة الامريكية الى القدس ، بل حاولة اطلاق عملية سلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين .
وفي الملف الخليجي استطاع اوباما تحجيم الطموح النووي بالقانون وليس بالتهديدات العنترية ، فلقد أعطى الخليجيين في كامب ديفيد 2 حاجاتهم الامنية فقط ” الدرع الصاروخي ” ولم يبيع لهم ” اكسسوارات عسكرية ” باهظة الثمن تكلف الاقتصاديات الخليجية مليارات الدولارات دون جدوي ، كما فعل الرئيس ترامب .
وربما الموقف الاكثر اهمية لادارة اوباما ، هو إلتزام الحيادية من ثورات الربيع العربي ، وعدم انحيازها للثورات المضادة ، كما يفعل خلفه ترامب .
الخلاصة – هل بعد كل هذه التخادم الامريكي العربي – يمكننا ان نعترض جديّاً على قرارات الرئيس الامريكي ترامب ، وخصوصاً قرار نقل السفارة الأمربكية في اسرائيل الي القدس ؟! كيف سنواجة الولايات المتحدة اذا ما اصطفت علناً مع اسرائيل ضدنا ، بل كيف لنا – أن لانشتري الموقف الامريكي لصالحنا ، ولو كان السعر غالي جداً ، خصوصاً في زمن الرئيس الامريكي رجل الاعمال ترامب !