أصداء الأحداث.. عادل المطيري يكتب: تحوّل العالم من الحركة الخضراء إلى السترات الصفراء
لم يخطر في بال بائعة مستحضرات التجميل «بريسيلا لودوسكي» من سكان إحدى الجزر الفرنسية أنها ستشعل حراكاً في فرنسا، ربما يطال تأثيره أوروبا بأكملها، عندنا وضعت عريضة احتجاج ضد ضريبة المحروقات الجديدة على موقع إلكتروني، والتي حصدت توقيع حوالي مليون شخص عليها، لتتحول بعدها لودوسكي إلى أحد أهم المتحدثين باسم مجموعة «السترات الصفراء»، وهي حركة احتجاجية بدأت مظاهراتها في يوم السبت ١٧ نوفمبر في عدة مدن فرنسية، لتتوالى بعدها الاحتجاجات كل سبت.
في بداية الأحداث لم يكن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مكترثاً بها، خصوصاً أنه يرى نفسه زعيماً فرنسياً يسعى إلى تقوية الاتحاد الأوروبي بقيادة فرنسا، كما لم تكن أعداد «السترات الصفراء» كبيرة، ولكن مع ازدياد أعداد المتظاهرين وانتشار مظاهراتهم في أغلب المدن الفرنسية، وعلى رأسها العاصمة باريس، التي احتلت فيها «السترات الصفراء» أهم الشوارع والميادين الباريسية، وبعد فشل الحكومة في مواجهتهم .. مما اضطر الحكومة الفرنسية ورئيسها للإعلان عن تجميد قرار الزيادة الضريبية على المحروقات، ولكن «السترات الصفراء» لم ترَ هذا الإجراء كافياً، عندها ظهر الرئيس الفرنسي ماكرون في خطابه التلفزيوني المسجل قائلاً:
« … ربما أكون قد أعطيتكم الإحساس بأن كل هذا لا يهمني، وأن لدي أولويات أخرى، وأعلم أني جرحت بعضكم في كلامي… أدعو الحكومة والبرلمان إلى القيام بما يلزم لتوفير حياة أفضل للعاملين مع بداية العام الجديد… سنزيد الحد الأدنى للأجور بـ ١٠٠ يورو شهرياً.. وبالنسبة للمتقاعدين الذين يتقاضون معاشاً تقاعدياً أقل من ٢٠٠٠ يورو ستلغى الزيادة على ضريبة الرعاية الاجتماعية التي أُقرت هذا العام…».
وبعد إعلان ماكرون عن تخفيضاته الضريبية، كان لزاماً عليه أن يخبر الشعب عن مصدر المليارات التي يجب أن يوفرها لتحقيق ذلك، قائلاً: «… سيتعين على الحكومة والبرلمان التقدم أكثر في وضع حد للمزايا غير الضرورية والتهربات الضريبية، يجب على كل صاحب شركة فرنسية أن يدفع ضرائبه في فرنسا.. وعلى الشركات الكبرى التي تحقق أرباحاً يجب أن تدفع الضرائب على ذلك، إنها العدالة ببساطة». يبدو أن مشكلات فرنسا ورئيسها بازدياد، ففي الثلاثاء الماضي انطلقت أيضاً سلسلة من تظاهرات طلبة الثانوية الرافضين لزيادة رسوم الجامعات على الطلبة الأجانب، وللإجراءات الجديدة لقبول الطلبة في التخصصات الدراسية في الجامعات الفرنسية، وأطلق على تلك المظاهرات اسم «الثلاثاء الأسود». ويبدو أن الكابوس الخطير الذي لا يتمناه ماكرون ولا حكومته أن يروه واقعاً، هو خروج الطلبة بكثافة مع تظاهرات «السترات الصفراء»، لأنه يعني تحطّم سلطته وزوالها، وربما تغير شكل الجمهورية الخامسة الفرنسية. فرنسا هي أحد الأعمدة المهمة في الاتحاد الأوروبي، والأكثر سخاء في الصرف وقت الأزمات الأوروبية، فعندما يتطلب منها توفير أموالها لمواجهة الإنفاق العام المتزايد على الخدمات الاجتماعية في فرنسا، فإنه يعني تقليل مساهماتها المالية لميزانيات الدول الصغيرة الأوروبية، فضلاً عن أن «السترات الصفراء» ستنتشر في أوروبا لمقاومة الإصلاحات الاقتصادية والزيادات الضريبية، خصوصاً بعد نجاح «السترات الصفراء» الفرنسية، مما يعني دخول أوروبا في أزمات مالية وسياسية، ربما ستصدرها للخارج أيضاً، إما على شكل عدوى شعبية تنتقل لشعوب العالم، أو عن طريقة عودة الاستعمار الأوروبي، ولو بشكل متطور لدول العالم الثالث، من أجل دعم ميزانيات الأوربيين على حساب شعوب العالم. ختاماً: فرنسا تعطي دروساً باحترام شعبها ومتطلباته، دون الإمعان بقمعه وإذلاله، كما في الدول العربية، ولكن هذا لا يعني أنها ستحترم مصالح الشعوب الأخرى إذا ما تعارضت مع مصالحها، مما يهدد الاستقرار الأوروبي والعالمي، فالحركة «الصفراء» هي نقيض الحركة أو النظرية الخضراء في السياسة والعلاقات الدولية، والتي تحترم البيئة وتسعى لاعتماد سياسات لحفظها، فالنظرية «الصفراء» قامت ضد زياد الأعباء المالية على الشعوب من أجل الحفاظ على البيئة والالتزام في بنود اتفاقية باريس للتغير المناخي «كوب ٢١» عام ٢٠١٥ ، من أجل خفض استهلاك الطاقة غير النظيفة كمشتقات النفط والفحم لصالح الطاقة النظيفة، مما يُنذر بازدياد المخاطر البيئية العالمية، إضافة إلى أن الحكومات الأوروبية، ومع ازدياد الأعباء المالية عليها، ستصبح أكثر عدائية وإمبريالية بالمعنى الاقتصادي.