ترسية 29% فقط من المشاريع المقدرة للسنة المالية الحالية
من منطلق اهتمامها برصد الواقع الاقتصادي في الكويت، تصدر شركة «آراء للبحوث والاستشارات» مؤشرا شهريا لثقة المستهلك بالتعاون مع جريدة «الأنباء» وبرعاية شركة «لكزس».
ويعتبر مؤشر «ثقة المستهلك» المؤشر الوحيد الذي يقيس العوامل النفسية للمستهلك، مرتكزا على آراء الناس وتصوراتهم عن الوضع الاقتصادي الحالي والمستقبلي، وتوقعاتهم بالنسبة لأوضاعهم المالية، وانعكاس ذلك على قدراتهم الشرائية.
ويصدر المؤشر في أول يوم أحد من كل شهر، وهو يرتكز على بحث أجري على عينة مؤلفة من 500 شخص، موزعة على المواطنين والمقيمين العرب في مختلف المحافظات.
تم اجراء البحث بواسطة الهاتف من خلال اتصالات عشوائية، وتمت مراعاة أن تكون العينة مماثلة للتركيبة السكانية في الكويت.
ويستند تقييم المؤشر العام لثقة المستهلك الى 6 مؤشرات اعتمدها الباحثون في شركة آراء لقياس مدى رضى المستهلكين وتفاؤلهم وهي: مؤشر الوضع الاقتصادي الحالي، مؤشر الوضع الاقتصادي المتوقع مستقبلا، مؤشر الدخل الفردي الحالي، مؤشر الدخل الفردي المتوقع مستقبلا، مؤشر فرص العمل الجديدة في سوق العمل حاليا، ومؤشر شراء المنتجات المعمرة.
وتستخلص نتائج كل مؤشر من المؤشرات الست بالاعتماد على اجابات أفراد العينة التي يحددها الاستبيان بـ «ايجابي» أو «سلبي» أو «حيادي».
ويتم تحديد نتائج المؤشرات في الشهر الأساس كمقياس للحالة النفسية للمستهلكين في الكويت، وهي تساوي 100 نقطة، وتكون هذه النقطة (الرقم 100) الحد الفاصل بين التفاؤل والتشاؤم لدى المستهلكين، فكلما تجاوزها المؤشر، يكون الوضع النفسي للمستهلكين في الكويت يميل نحو التفاؤل أكثر فأكثر، وكلما تراجع المؤشر عنها في اتجاه الصفر تكون النظرة أكثر تشاؤما.
اصدرت شركة آراء للبحوث والاستشارات مؤشر ثقة المستهلك في الكويت لشهر أكتوبر 2018 بالتعاون مع جريدة «الأنباء» برعاية لكزس. وكشفت معطيات البحث تراجعا لمعدلات المؤشر العام و5 مؤشرات اخرى، بشكل غير متوقع، حيث سجل المؤشر العام 111 نقطة بتراجع 5 نقاط مقارنة بمعدل شهر سبتمبر المنصرم.
وبالرغم من تدني مستوى المعدل العام فإنه يبقى اعلى من معدل المؤشر العام لشهر اكتوبر 2017 مضيفا 6 نقاط على أساس سنوي.
لذلك لابد من تحليل المستجدات والوقائع لتبيان الأسباب الحقيقية لانخفاض مستوى رضا ومعدلات ثقة المستهلكين.
على الصعيد الداخلي، تبرز جملة من العوامل الضاغطة لعل أبرزها ترسية 29% فقط من اجمالي المشاريع المقدرة للسنة المالية الحالية، عدم استقرار حركة البورصة، وتكبدها خسائر بلغت 800 مليون دينار خلال اربعة اسابيع، تباطؤ انجاز العديد من المشاريع الهادفة الى تطوير واعادة هيكلة البنى الاقتصادية بما فيها المشاركة بين القطاعين العام والخاص، حيث لم تزل القطاعات غير النفطية مجتمعة تساهم فقط بنسبة 3.4% من ايرادات النصف الأول من السنة المالية، كذلك فإن القطاع العقاري الذي سجل بعض الانتعاش، لم يزل يعاني عدم الاستقرار وتسجيل مستوى النمو المطلوب، بالاضافة الى هذه المعوقات الداخلية وغيرها، تؤثر ايضا على ثقة المستهلك المستجدات الأمنية الجيو- سياسية، والصراع الاقليمي من جهة والنزاع التجاري العالمي عامة والأميركي ـ الصيني بشكل محدد من جهة أخرى.
هذه المستجدات على مختلف الصعد تشكل عاملا ضاغطا على قناعات وعلى مستوى ثقة المستهلكين.
ان الأسواق العالمية تتابع مجريات التحضير للمفاوضات التجارية بين الولايات المتحدة والصين أواخر هذا الشهر في الأرجنتين على أمل صياغة وإقرار اتفاقات جديدة تضمن شروط الاستقرار التجاري العالمي.
إن هذه المستجدات السلبية على مختلف الصعد يجب ألا تخفي مروحة واسعة من الإيجابيات من أهم عناوينها:
٭ ارتفع معدل سعر برميل النفط الكويتي خلال أكتوبر الى 80 دولارا مقارنة بمعدله في السنة المالية 2016-2017 الذي بلغ 54.4 دولارا.
هذا الارتفاع اذا استمر لغاية آخر السنة الحالية سيتم انهاء عجز الموازنة المسجل خلال السنوات الماضية ويؤمن فائضا بحوالي 2 مليار دينار.
٭ مع الإشارة الى أن الموازنة حققت خلال النصف الأول من السنة فائضا بلغ 2.2 مليار دينار.
ضمن هذا المزاج السائد حاليا في أوساط المستهلكين في الكويت سجل المواطنون معدلا للمؤشر العام بلغ 116 نقطة بتراجع 7 نقاط. والمقيمون العرب 101 نقطة بخسارة نقطتين خلال شهر.
أما على صعيد المناطق، تراجع معدل العاصمة 32 نقطة ومحافظة الجهراء 17 نقطة محافظة مبارك الكبير خمس نقاط عاكسة بذلك مستوى انخفاض ثقة المستهلك خلال شهر أكتوبر.
تباين بين مؤشري الوضع الاقتصادي
كشفت معطيات البحث وجود تباين في أوساط المستهلكين حول تقديرهم للأوضاع الاقتصادية، فقد سجل مؤشر الوضع الاقتصادي الحالي معدلا بلغ 103 نقاط بخسارة 6 نقاط من رصيده السابق، بينما من جهة اخرى ارتفاع معدل مؤشر الوضع الاقتصادي المتوقع مستقبلا الى 116 نقطة باضافة 5 نقاط خلال شهر.
والتساؤل هنا عن الدوافع والأسباب لتراجع الثقة بالأوضاع الاقتصادية الحالية وارتفاع ثقة المستهلك بالأوضاع الاقتصادية المستقبلية؟
مما لا شك فيه ان الوقائع والمستجدات الجيوسياسية الإقليمية والصراع التجاري العالمي لعبا دورا سلبيا على نفسية المستهلك، فعبر عن بعض القلق الذي ينتابه حاليا، بينما من جهة معاكسة تأثر إيجابا بصلابة الوضع المالي الكويتي الذي يعبر عنه في أصول الصندوق السيادي والقدرات المالية المتنوعة والاستثمارات التي تملكها الدولة، فضلا عن ارتفاع الودائع المصرفية التجارية في الكويت، فسجل المستهلك ارتياحه للوضع الاقتصادي المتوقع مستقبلا.
على أمل أن يقوم الوضع المالي الصلب بدوره المرجو منه بالمساهمة بشكل أفضل بالنمو الاقتصادي وبورشة تحديث وتطوير البنية الاقتصادية لضمان الاستقرار ولتنويع مصادر الدخل بمستوياتها المطلوبة.
ضمن هذا المزاج العام تراجع معدل مؤشر الوضع الاقتصادي الحالي لدى المواطنين 3 نقاط وفي أوساط المقيمين العرب 9 نقاط خلال شهر.
أما على صعيد المناطق، سجلت العاصمة أعلى نسبة تراجع في معدلاتها للأوضاع الاقتصادية مكتفية 115 نقطة للوضع الاقتصادي الحالي بتراجع 22 نقطة، كما خسرت من رصيدها السابق في معدل مؤشر الوضع الاقتصادي المتوقع مستقبلا 10 نقاط.
وتراجع معدل محافظة الجهراء 11 نقطة، كذلك معدل محافظة الاحمدي 11 نقطة مقارنة بمعدلات شهر سبتمبر.
هذه النماذج من المعطيات والأرقام تشير الى وجود مفارقة بين الوضع المالي الكويتي المتطور وبين الأوضاع الاقتصادية الحالية التي تطرح جملة من التحديات، وتتطلب تسريع وإقرار وإنجاز مختلف المشاريع الإنمائية، الأمر الذي يتطلب المزيد من الجهد والتعاون والانسجام بين السلطتين التشريعية مجلس الأمة والتنفيذية الحكومة وذلك لمواجهة التحديات وتسريع عملية التطوير الاقتصادي على أسس ثابتة وسليمة.
دلالات مقلقة في حركة الاستهلاك
عكست نتائج البحث ظواهر مقلقة في حركة الاستهلاك فقد سجل مؤشر شراء المنتجات المعمرة معدلا بلغ 98 نقطة وهو يمثل أحد أدنى المعدلات خلال سنتين، متراجعا 32 نقطة خلال شهر، و23 نقطة مقارنة بنتائج شهر أكتوبر من العام 2017.
وبلغت خسارة معدل العاصمة لمؤشر شراء المنتجات المعمرة خلال شهر 99 نقطة.
كما تراجع هذا المعدل، في أوساط العمالة البسيطة، من ذوي مستوى الدراسة من المتوسط ودون 123 نقطة.
وبعض الفئات العاملة الأخرى خسر معدلها 63 نقطة.
أما على صعيد المناطق، تراجع معدل محافظة الجهراء الى 81 نقطة بخسارة 54 نقطة، ومحافظة مبارك الكبير تراجع معدلها الى 113 نقطة بتراجع 47 نقطة.
هذه المعطيات تدل عن تراجع حاد في مستوى الاستهلاك خلال شهر أكتوبر، قد يكون العامل النفسي في أوساط المستهلكين المسبب الاول لهذه الظاهرة، كون الاوضاع المالية وحجم الائتمان في وضع مريح والقدرة الشرائية في أحسن أحوالها.
لابد من المتابعة الدائمة لحركة الاستهلاك لتبيان الواقع الحقيقي في الأسواق وتوجهاته المقبلة.
تراجع ثقة الشباب بالدخل الفردي
لا شك أن تباطؤ المرحلة الانتقالية لتطوير الاقتصاد الكويتي واستمرارية الاعتماد شبه الكلي على الايرادات النفطية، فضلا عن الظروف الاقليمية الشديدة التعقيد على كافة المستويات ارخت بثقلها على نفسية ومزاج المستهلكين في الكويت خلال شهر أكتوبر 2018.
تجلى ذلك في تراجع معظم معدلات المؤشرات المكونة للبحث، بما فيها المؤشرات الاقتصادية، والدخل الفردي، وحركة سوق العمل، وبشكل لافت معدل مؤشر شراء المنتجات المعمرة الذي يعكس حركة الاسواق الاستهلاكية والذي تراجع الى نسب غير مسبوقة.
ضمن هذه المناخات سجل مؤشر دخل الفرد الحالي معدل بلغ 101 نقطة متراجعا 8 نقاط خلال شهر بالرغم من تعزيز رصيده السنوي 6 نقاط.
هذا التراجع في مستوى الثقة بالمداخيل الفردية حصل بالرغم من اعلان عدد كبير من الشركات عزمهم على زيادة الرواتب والأجور لموظفيهم ولعمالهم في بداية العام المقبل.
أما على صعيد المناطق، اللافت التراجع الحاد بمعدل العاصمة الذي تراجع 33 نقطة مؤشر الدخل الفردي الحالي، و17 نقطة لمؤشر الدخل الفردي المتوقع مستقبلا.
ان تراجع معدلات العاصمة بهذا المستوى غير المعهود سابقا، يشير الى وجود خلل ما يطال مسألة المداخيل الفردية، في بعض القطاعات الاقتصادية التي تعاني من الصعوبات والتي انعكست جمودا للرواتب والأجور لموظفيها ولعمالها.
وكذلك تراجع معدل محافظة الجهراء 16 نقطة ومحافظة مبارك الكبير 14 نقطة خلال شهر.
بدا معدل الدخل الفردي المتوقع مستقبلا أكثر تماسكا مسجلا 108 بخسارة نقطتين من رصيده السابق.
مع الاشارة الى ان هذه التراجعات في مستوى رضى وثقة المستهلكين في الدخل الفردي حصلت بالرغم من احتفاظ وتعزيز الدينار الكويتي لقدرته الشرائية، وتراجع مستوى التضخم النقدي الى أدنى مستوياته.
تدني الطلب على العمالة غير المؤهلة
سجل مؤشر آراء لفرص العمل المتوافرة في السوق حاليا 160 نقطة بخسارة 6 نقاط من رصيده السابق. واللافت هبوط هذا المعدل خلال شهر اكتوبر 2018 بـ 15 نقطة على اساس سنوي.
ان تباطؤ حركة سوق العمل على المستويين الشهري والسنوي تستدعي الانتباه وبشكل خاص كونه يتم في مرحلة من المفترض ان تتسم بالتغيير البنيوي للاقتصاد وبالتوسع الأفقي لمختلف قطاعاته.
قد يكون لتباطؤ حركة سوق العمل احيانا بعض الأسباب العابرة، ففي الربع الأخير من السنة تؤجل معظم الشركات قرارات التوظيف للقوى العاملة بانتظار السنة الجديدة، هذا فضلا عن الضغوطات المتأتية من الصراعات الاقليمية.
ومع ذلك لابد من مواكبة التغيرات التي قد يتعرض لها سوق العمل في الكويت في الأشهر المقبلة ومراقبة التغيرات الكمية والنوعية لحاجات السوق التي اتسمت في الأشهر الماضية بزيادة الطلب على القوى العاملة غير المؤهلة علميا ومهنيا، بينما يتبين الآن أن السوق بحاجة الى موظفين من ذوي المؤهلات العليا.
وقد دلت ارقام البحث بأن العمالة من ذوي مستوى الدراسة الثانوية وما دون تراجع معدل مؤشر فرص عمل لديها 41 نقطة خلال شهر.
ان الارقام والمعطيات الصادرة عن سوق العمل، تحتل موقعا مميزا في البحث عن تفاصيل الواقع الاقتصادي وتوجهاته المستقبلية.