الخبز والعنب!
الشعوب وراء الخبزة. لا أعظم من خوف الجوع دافع لكل سلوكيات الإنسان، لِمَ لا؟ وهو ضرورة البقاء. وإنما العنب، ذلك الدلال والرفاهية، فهو دافع أقل إلحاحا، فهل من الحِكمة ان يدفعك الخبز أم العنب لتنجح بحياتك؟ قد يرى البعض ان هذا سؤال فلسفي بحت؛ والبعض الآخر سيرى انه إساءة، فكيف أن يعترف أحد بأنه بعيد عن العنب؟
لندخل كوخ أبو حسون، الذي يقضم خبزته و إبنه حسون الذي يلتقم العنب.
مزع ابو حسون قطعة خبزة وقال《أترك الترف يا حسون، و أقنع نفسك بالزهد.》. فرد حسون《 كل الناس يريدون ان يأكلون عنب! إنهم ليسو أحسن منا.》 بعد وهلة من الزمن، إبتلع الأب سائر الخبزة ثم قال لإبنه《لا تغرك الدنيا بترفها، خذ منها الحد الأدنى لحاجتك.》. إنتهى حوارهما.
نجد مفاهيم كلاسيكية مملة؛ ذات مثالية متكلفة، مخالفة لدينا الذي حثنا على شكر النعم، و حذرنا من الشيطان الذي يَعدنا الفقر بقوله تعالى (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ)، و أن نأكل من طيباتٍ مما رزقنا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إن كنتم تؤمنون). رغم ان الحياة مجرد ممر للآخرة؛ ولكن قطف العنب فيها، و الشكر على ذلك، هو ما يجعل نهاية الطريق أحسن فالشكر بذاته عبادة {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ}، فما رأيك بالسماح بأكل الخبز والعنب؟
الترف عيب ولكن التنعم هو فضلٌ من الله يؤتيه من يشاء، فمن التكبر تصنع الزهد بطرد نعمة من المنعم، ومن التخلف إستحقارها وهي هبة الوهاب….صراحةً أريد الإعتراف لكم، أحيانا يغفل بعض القراء عن رمزية قصدي من تعابيري، فسوف أوضح الواضح.
المقصد من العنب هو ذلك الرزق المساق لك…الذي يسهل وييسر اي شيء بحياتك…فثمة من يترك سيارة مريحة لأجل رخيصة متعبة، وكذلك أعني بالعنب الأشياءَ التي لا تعتبر ضرورية لنجاحك بالحياة ولكنها ممتعة فحسب، فهل الثرثرة والمزاح واللعب والمشتريات الرفاهية وما شابهها تنقص كفاءة الإنسان حينما يتمتع بها؟ مثل شراء كراسة حلوة عليها صورة تحبها بدلا من كراسة سادة أحسن منها حجماً؟ سنرى بالمقال القادم لماذا المتعة هي وقود الكفاءة.
الكاتب: جري سالم الجري.