“قنبلة البدون” و سنة التجنيس الجديدة.
الديموغرافية هي الوطن بأسرة. لا معنى لأي وطن بلا مكون إجتماعي. وما الوطن باللغة العربية إلا ما يتوطن بأنفس الناس، فالوطن ذاته هو ليس أرض ولا حكومة بالأساس، بل هو قناعة داخلية في مجموعة من الناس. الوطنية هي معنى يتفق عليه المجتمع، و بمجرد إدراك الناس لهذا المعنى، يصبح حقيقة. هل عند فئة “البدون”، وطنية؟ هل الجيل الرابع والخامس من سكان هذه البلاد، لا تتوطن أنفسهم حينما يندمجون مع المجتمع وهم يزورون الدواوين؟ و يشتركون بمناسباتنا؟ بأفراحنا و أحزاننا؟ و يمشون في شوارعنا؟ ويصيبهم ما يصيبنا؟ يشجعون مع المشجعين لمنتخابتنا؟ يحاربوا في الغزو العراقي الغاشم مع أبنائنا؟ وكل هذا وأكثر ولا نزال نشكك بوطنيتهم؟ ولكن منهم الغير عربي أساسيا، والغير منتمي لديننا ولا يقتنع بعاداتنا وتقاليدنا، بل و منهم من شارك بنشاطات إرهابية، فكيف نأمنهم؟
الحصيلة التراثية الكويتية؛ تختزن كمية من الأمثال الظريفة التي تلخص لنا محاضرات طويلة؛ فثمة مثل كويتي يحل مشكلة البدون ” كلنا عيال قريّه وكلمن عارف اخيّه”. إن كل شيء بدر من فئة البدون من محاسن ومساوئ، بدر من شعوب دول مجاورة نتحفظ عن ذكر أسمائهم، ولايزالون مرحبين بل وقادرين على نيل الجنسية بيسر. إن الكويت بلد صغير، و شعبها مترابط، والكل قادر بلا أي مجهود، أن يفصل عائلة كل فرد مع تشخيص الطائفة والمذهب و القبيلة و فخذ القبيلة مع شجرة العائلة، فكلنا يعلم مدى يسر التحقق من أصول الشخص، ومدى قدم تواجد أجداده في هذه البلاد، ونعلم بعضهم من الذين لم يسجلوا أسمائهم بسنة التجنيس فحسب، وكم من أهالي الأسر الأصيلة المشهورة؛ عانوا كثيرا في إقناع كبيرهم لأهمية تسجيل اسماء أبنائه في الجنسيات، إلا أنه أبى و صد بعيدا، في فترةٍ كانت الكثير من الأسر تمتنع عن إرسال بناتها للمدارس؛ فهل يحرمون الأحفاد الجنسية لجريرة الأجداد؟
بصريح العبارة؛ وبلا أي مناورات أدبية؛ أغلب القطاعات الحكومية متفشي في قوتها العاملة “فايروس واو” (الواسطة)، وكذلك داء التسويف والتأجيل، ولكن هل يا مجلس الأمة، و يا حكومتنا الموقرة، البدون خطر؟ عالميا ثمة عبارة تخافها أي بلد بالعالم؛ وهي عبارة “حق تقرير المصير”. فهذه العبارة التي فصلت سنغافورة عن ماليزيا، والتي تشل قدرة إسرائيل ذاتها بجلالة خباثتها و دهائها من إبتلاع كل فلسطين، ففئة البدون؛ الذين يزدادون بالعدد، و بالكياسة السياسية، قد يسببون إحراجا للكويت على المستوى الدولي! ولكن لأي مدى هذا الموضوع جاد؟
كم من مخترع بدون؛ و طبيب و محامي و مؤرخ و شاعر وفنان و بطل رياضي، تعجز البلد عن الإفتخار فيه كإبن و يعجز هو رفع علم بلده الذي توطن بقلبه حبه بسبب أوراق محبوسة عنه بالأدراج؟ ” حق تقرير المصير” كلمة يرددها البدون وكثير من المواطنين المتعاطفين في مواقع التواصل الاجتماعي، ولكن البدون بحكم أنهم يعانون من “الخلط”، و عدم إثبات شرعية وجودهم بالبلد، لن يستطيعوا الضغط على السلطات في المحاكم الدولية، ولكن هذا لا يعني أن الحال سيبقى على ماهو عليه بالمستقبل؛ فلو زادت أعدادهم، وتجذروا أعمق بالمجتمع، فالحال سيشابه الوضع الكردي في سوريا والعراق وإيران وتركيا، ليس من حيث الإرهاب؛ ولكن من حيث سعة الشرخ بينهم وبين مجتمعهم الطبيعي وهو الكويت، ففي تلك البلدان الإختلافات مذهبية؛ و لُغوية؛ و عِرقية؛ ولكننا هنا ” ” كلنا عيال قريّه وكلمن عارف اخيّه”. فالحل إما (التجنيس و إما التجنيس!) بمعنى إما “التكويت” أو تيسير لهم إنتمائات لدول أخرى، فالأيام دول. فإننا كمواطنين كويتيين نطالب بسنة تجنيس جديدة، نحسم بها الأمور.
الكاتب: جري سالم الجري.