ياليتني أخذت مصرية!
ريهام و سهى و شيرين؛ وصلن للخليج ليدخلن شتى الوزارات. شابات بمقتبل العمر، طموحات لتحقيق إنجازات عظيمة، ومشاريع لطيفة؛ ليكسبوا منها الرزق الحلال، و حياة الدلال. فلما دخلن للمكتب لإتمام معاملاتهن، وجدن كرسي الموظف فارغا، وإذ به واقفا في الممر مع أصحابه، يدخن بشراهة وهو يقول بغيظ “راح أطلقها!”.
بدأت سهى معلمة التاريخ بحك رأسها، فأنتبهت الطبيبة ريهام لحركة اصبعها وهي تحك بإندماج، فضحكت عليها….بعدها…عم الصمت المكان. شيرين الصحفية قطبت جبينها. فإلتفت ريهام لها وقالت
ريهام: ( المصرية غير…)
شيرين:( اه والله غير..زي ما أعلنت “قناة الحياة ٢” نتايج دراسات ابحاث اجنبية وعربية ان المرأة المصرية هي الأولى عالميا بالنكد وأعلنت ان جامعة مشنغن الامريكية بتقول ان المصرية ما تقدرش تمسك سر لمدة ٣٨ ساعة وغالبا بتقوله لمن لا يهمه الأمر!!!)
ريهام:( هو ده كلو اللي بيجي منكم يا إعلام؟)
شيرين:( مش بس كده، كمان اعلنت القناة بنفس التقرير ان المرأة المصرية، حسب دراسة فرنسية؛ انها الاكثر إحساسا على مستوى ٢٠٠ دولة!)
سهى:(وبس؟)
شيرين:(في حاجات كويسة من “اخبار اليوم” لمنى إمام اللي نقلت للجمهور نتايج دراسات الدكتورة زينب.)
توقفت سهى عن حك رأسها فجأة، ثم رفعت أصبعها و فتحت فمها قائلةً،
سهى:( افتكرت معلومات تاريخية عنكو يا مصريات هاااايلة!!)
سهى:(اهرشي نافوخك وخلينا نركز على الإعلام! لأن بس هم اللي بيشكلو الراي العام! قولي يا شيرين يختي…)
تبتسم ببرود شيرين.
شيرين:( طب نصلي على النبي و نخلي الحوار بالراحة كده، عشان احنا اصلا عايزين نخلص معاملة يا ماماي ماشي؟ بتقول الخبيرة النفسية د زينب المهدي عن مميزات المصرية، انها اولا حساسة جدا، ثانيا صبورة و تتحمل اعباء البيت ولذلك تستحق لقب “عامود البيت”. ثالثا تضحي لأهلها فبتشوفوها تشتغل جزارة او فلاحة عادي مش مشكلة، رابعا دائما بتطمح لمناصب قيادية و إدارية عالية، خامسا تساند زوجها مادياً و معنوياً كشريكة تبني معاه شركة اسمها البيت. يعني بتفرق بين مفهوم الخضوع للرجل و مفهوم التعاون معاه.)
رفعت سهى ببطء رأسها.
ريهام:( انا عارفة انتي عايزة تقولي ايه يا سهى، عايزة تقولي هاشتاق ” #مصرية_وأفتخر ” مش كده؟ عاجبك كلام الاعلام اوي يا سهى؟ طب و الستين مليون ألف نكتة عن فرعنة المصرية و جبروتها بالمسرحيات والأفلام؟ مبسوطة حضرتك؟)
سهى:( أجاوب ولا أهرش؟)
حدقت بها ريهام بغضب…
سهى:( أنتي طبيبة يا ريهام مش كده؟ بزمن الفراعنة، ظهرت اول طبيبة بالتاريخ “ميرت بتاح” ٢٧٠٠ قبل الميلاد، و أما الفرعونة “حتشبسوت” فلقد حكمت مصر فنهضت فيها البلاد اقتصاديا و سياسيا، و تقوى الجيش و زاد البناء، و اصبح رمز تمثال القطة السوداء الفرعونية الحاملة للمفتاح، يرمز للأنثى المصرية الموحدة للشمال والجنوب. وبزمن الإغريق في٣٣٢ ق.م دخل إلكسندر الأكبر، فتقلص دور المرأة المصرية بخلاف الجزء المصري المستقل عن اليونان، الذي حافظ على قدرة المصرية على شراء العبيد والجوراي ومشاركة زوجها ماليا، ولكن بعدها بزمن الرومان ! رأت المصرية الويل والحرمان! فبعدما غلب أكتافيوس كليوباترا في٣٠ ق.م. ، ثم سحق حقوق المصرية بالميراث والطلاق والتجارة والدين؛ وكانت هذه آخر فترة للحضارة الفرعونية بمصر، حيث ماتت الحضارة الفرعونية تماما بعد طحن حقوق المرأة و إنخضاعها لسلطة الرجل، بل وصل ظلمه لدرجة منع المصرية من التعلم بعكس حالها عند أجدادها الفراعنة تماما.)
ريهام:( اهرشي يا بت واكرمينا بسكاتك، عايزين الإعلام بيقول ايه.)
سهى:( بعد انتشار الدين النصراني في الإمبراطورية الرومانية، تم قمع المصريات المتنصرات، الرافضات للوثنية الرومانية، اللآتي وجدن الراحة بقاعدة ” لكم دينكم ولي دين” في زمن الفتح الإسلامي لعمرو بن العاص رضي الله عنه ٦٤١م؛ ثم في الفاطمية ظهرت “الست عزيزية” التي عززت التسامح الديني، ثم في الأيوبية تجلت عظمة المصرية السياسية بشجرة الدر، ثم بالدولة الأيوبية صارت للمصرية ألقاب “ست الكل” و ” ست الستات” بسبب الوقار الذي نالته لما انسجمت بالكامل مع علماء الدين كعالمة مثلهم و ليس كطالبة فحسب، مما يشابهة نفس الوقار الذي وصلته بزمن الفراعنة لما كان لها مكانة فخمة تنالها بالعلم وليس بالعذرية كبعض الأديان، ولكن بالزمن العثماني، اسرفوا بجواري الحرملك و حريم السلاطين، و خصصوا امكنة اسموها “الحريم العالي” و هي تجميعة قصور متداخله ببعض ذات السور العالي، حيث لا يصل احد للحريم من العالم الخارجي بتاتا، مما خلف جيل سلطاني زعزع الحكم، فدخل الفرنسيون بسهولة ولكن بعدها بوقت الخدوي كانت المصرية..)
ريهام:( خلصتي؟)
سهى:( لسه ما وصلتش لفيس بوك)
شيرين:( وربنا كلمة زايدة حنسيبك ومش حنصاحبك خالص خالص!…)
ريهام:( بس بقى يا سهى! أهرشي! يلا يا شيرين..بما ان حضرتك بالإعلام..هاتي الإعلام بيقول عننا ايه كمان؟ حاكم هو اللي بيأثر…مش المومياهات..)
شيرين:( بصي؛ الإعلام بطبيعته بيمشي ورا اي موضى كلامية. وحاليا بعد الثورة وكل ده، بقى مركز علينا شوية، تقرير مي نور وسلمى حسين بيقول ان المصرية غاوية تقول ادق التفاصيل لجوزها، وتقارير تانية بتقول انها جدعة بلملمة الفلوس وبتكنزها ولا بتطشطشها، و برضو “قناة ٢” أعلنت دراسة فرنسية أجريت على مئة ألف إمرأة حول العالم، وجدوا فيها ان المصرية هي الأجمل…)
فجأة سمعوا الموظف يقول( ياليتني أخذت مصرية.)
دخل لمكتبه فتفاجئ بالمنظر؛ شاحت سهى بعيونها للحائط، و ابتسمت ريهام لصاحبتها شيرين العزباء الوحيدة بينهن، التي لم يسبق لها الزواج قط. توردت خدودها، التي إحمرت بعد لطمة زوجاً طلقها كمن طلق من قبلها…
لان الطلاق غالبا يكون من رجل لم يحسن تقييم الأنثى التي لا تريد منه إلا كلمة طيبة؛ سواء مصرية او غيرها من أخواتها العربيات. فمهما لو مازح الإعلام شخصية المرأة المصرية، و مهما لو كشف لنا التاريخ كفاحها؛ لن تبقى إلا أماً يكون كل رجل تحتها ولداً.
“أحمق! ألا ترى الآن انني كنت سَأُسَمِمَكَ مئة مرة لو كنت قادرة على العيش بدونك؟”.
– كليوباترا.
الكاتب: جري سالم الجري.