لا ذنب للوافد في اختلال التركيبة السكانية
ذكر تقرير الشال أنه في عام 1985، هبط عدد السكان الكويتيين 17.4% مقارنة بعددهم في عام 1980، لأن الحكومة قررت حينها عدم احتساب فئة غير محددي الجنسية ضمنهم، وفي العام نفسه، تبنت الحكومة خطة خمسية، هدفها الأساسي تعديل التركيبة السكانية بهدف موازنة السكان بنسبة 50% لكل من الكويتيين وغيرهم، وكانت نسبة السكان الكويتيين في نهاية عام 1985 بحدود 27.7%، وكانت الكويت تعاني من هبوط حاد في إنتاج وأسعار النفط، وتعاني من تداعيات أزمة المناخ، وتعاني من اشتداد خطر الحرب العراقية- الإيرانية، حيث تم في فبراير 1986 احتلال شبه جزيرة الفاو.
وكانت تلك الظروف على شدة سوئها، تدعم هدف الخطة الخمسية بموازنة السكان، لأن الوضع الأمني والاقتصادي طارد للسكان، ورغم ذلك، انخفضت مساهمة الكويتيين في السكان إلى 26.9% لظروف سياسية كانت سائدة في الكويت بحلول عام 1990، عام نهاية الخطة الخمسية.
ولابد من التذكير بأن قضية الاختلال في التركيبة السكانية مطروحة منذ سبعينيات القرن الفائت، ولكن، كل السياسات العامة كانت تتسبب في تحقيق عكس المعلن من الأهداف، وذلك تكرر مع بدء ارتفاع أسعار النفط بداية القرن الحالي.
فبعد النمو السالب للسكان الوافدين في عامي 1999 و2000 كما أسلفنا، تسبب الانفلات المالي منذ عام 2001 وما بعد، في ارتفاع كبير مع معدلات نمو السكان الوافدين، فبلغ معدل نموهم للسنوات 2001 ـ 2003 نحو 5.6% سنويا، ليرتفع إلى معدل 9.7% للسنوات 2004 ـ 2007، ثم ليهبط إلى معدل 1.8% للسنوات 2008 ـ 2011 بسبب أزمة العالم المالية، ليعاود الارتفاع إلى 4.1% مع زيادة أسعار النفط للسنوات 2012 ـ 2016.
ذلك يعني، أن اتساع هوة الخلل السكاني ما هو سوى متغير تابع للتغير في السياسات المالية، ويدعمه التسامح مع تجارة البشر، أما الوافد، فحاله حال المواطن، ضحية مثل تلك السياسات التنموية البائسة.
ولأن تأثير السياسات المالية على النمو السكاني لا يتحقق سوى بعد فترة سماح، من المتوقع حاليا أن يبدأ نمو السكان الوافدين بالانحسار في السنوات القليلة المقبلة، ومن دون جهد يذكر، أسوة لما حدث في عامي 1999 و2000، وما حدث بعد أزمة عام 2008.
ويشير المتوفر من الأرقام، ومصدرها الهيئة العامة للمعلومات المدنية، إلى أن انحسار ذلك النمو قد بدأ، فقد بلغ معدل نمو السكان غير الكويتيين للنصف الأول من عام 2017، نحو 0.4% فقط، وهو الأدنى منذ بداية الألفية الحالية بينما بلغ نمو السكان الكويتيين للفترة نفسها 1.1%، أو نحو 3 أضعاف نمو غيرهم، بمعنى آخر، المتغيرات الخارجة عن قدرتنا على التأثير، ستعمل على زيادة نسبة مساهمة الكويتيين في السكان، ولا حاجة للشعارات الإقصائية لبدء تعديل التركيبة، بينما يظل خطر ذلك الخطاب الإقصائي على ما هو أهم، وهو تعميق الخلل النوعي في تلك التركيبة.
450 ألف كويتي قادمون إلى العمل..في اقتصاد لا علاقة للتعليم بسوقه
أوضح تقرير الشال ان الخلل النوعي أهم من الخلل الكمي في التركيبة السكانية، فعندما تكون السياسات العامة حصيفة، تصبح نوعية السكان متفوقة بمهارات عالية، ذلك كان ولايزال حال سنغافورة مثلا، ولكنه بالتأكيد ليس وضع التركيبة السكانية في الكويت.
الخلل النوعي في التركيبة السكانية في الكويت، يشمل، ضعف المستوى التعليمي والحرفي، ويشمل التوزيع بين الجنسين، ويشمل التوزيع بين الجنسيات، ويشمل التوزيع بين مواقع العمل -قطاع عام وقطاع خاص-، ويشمل اتساعا كبيرا في قاعدة الهرم السكاني -الصغار- للكويتيين.
إحصاءات الهيئة العامة للمعلومات المدنية كما في 30/06/2017 تشير إلى أن هناك نحو 130 ألف أمي في جملة السكان الذين تبلغ أعمارهم 10 سنوات وأكثر، وهناك 1.012 مليون فرد، أي نحو ربع إجمالي السكان يقرأون ويكتبون فقط، أي من دون مؤهلات تعليمية، وهناك 378 ألف فرد بمؤهل ابتدائي.
ذلك يعني أن نحو 1.520 مليون نسمة من السكان البالغة أعمارهم 10 سنوات وأكثر، مؤهلاتهم لا تتعدى الابتدائية، ونسبهم من جملة السكان أكثر من 10 سنوات نحو 40%، وذلك خلل سببه تواضع متطلبات العمل، وهي من تداعيات فشل السياسات العامة في البلد.
ذلك الرقم قد يكون أكبر، فضمن الإحصاءات المنشورة، هناك نحو 400 ألف فرد، أو نحو 9% من إجمالي عدد السكان، من غير المعروف مستوى تعليمه، وفي اهمال التصنيف التعليمي دليل آخر على ضعف كبير في قاعدة الإحصاءات التي هي زاد العالم المعاصر للتخطيط لمشروعات تنميته.
وعلى الطرف الآخر، هناك ضمن السكان نحو 293 ألفا من حملة الشهادات الجامعية، ونحو 11.8 ألفا من حملة الشهادات فوق الجامعية، يصاحبها ندرة في عدد ومستوى الأبحاث والإبداع، وذلك دليل على ضعف مستوى التعليم من جانب، وعلى وفرة الشهادات المضروبة من جانب آخر، وهو خلل نوعي آخر.
الخلل النوعي قائم أيضا وفقا للجنس، فضمن السكان الوافدين البالغ عددهم 3.086 ملايين نسمة، يبلغ عدد الرجال ضمنهم نحو 2.111 مليون، أي ان نسبتهم إلى المجموع تبلغ 68.4%، أي انه مجتمع عزاب.
والخلل النوعي بكل مكوناته أمر كان من الممكن اجتنابه بالحد الأدنى من التخطيط السكاني، وذلك لم يحدث ولا يحدث ما لم تكن للدولة أهداف تنموية رشيدة ومعلنة، تعنى بنوعية الوظيفة، وتعنى بمخاطر الخلل المحتملة، وتسبقها في التحكم بالكم والكيف، كما هو حال السويسريين مثلا.
ولكن، كل ما حدث قبل الاحتلال، ورغم بناء وتبني خطة تنموية في عام 1985 هدفها الرئيسي تعديل خلل التركيبة السكانية، ورغم ما أتاحه الاحتلال من فرصة لإعادة اصلاح التركيبية، كانت ومازالت السياسات العامة تعمل مناقضة للأهداف السكانية المعلنة.
وهناك قنبلة قادمة ناتجة عن وجود نحو 450 ألف كويتي دون سن العشرين، وهم قادمون إلى سوق العمل في اقتصاد لا علاقة للتعليم بسوقه، وعاجز تماما عن خلق فرص عمل حقيقية.