لهذه الأسباب يُفضّل أن تُودع أموالك في الكويت
قبل 9 أعوام تقريباً، استدعت الأزمة المالية إجراءات لم تعتد عليها البنوك في بعض الأسواق منذ أربعينات القرن الماضي، وكان من بينها رفع أسعار عوائد الودائع إلى معدلات عالية جداً، وذلك في مسعى منها لمغازلة أصحاب السيولة التي باتت «مضطربة» في خزائنها.
ومع تنامي الضغوط على بعض الأسواق في العامين الماضيين، وارتفاع معدلات تضخمها، لجأ بعض صناع القرار النقدية إلى مضاعفة فائدة الودائع، حتى باتوا يقدّمونها ضمن خانة من رقمين، بخلاف دول كثيرة بالمنطقة، وفي مقدمتها الكويت حيث لا يزال متوسط عوائدها عن فترة سنة يقارب 2 في المئة.
ووسط استمرار مخالفة العديد من الأسواق الإقليمية لدورة تسعير الفائدة بتبني معدلات عالية، مقابل استمرار تباطؤها في الكويت، يتبادر إلى الذهن سؤال «لو كان لديك ما قيمته مليون دولار فبأي الأسواق الأفضل إيداعها؟»
تعد الكويت ومصر ولبنان من أكثر أسواق المنطقة التي يمكن أن تشملها المقاربة في هذا الخصوص، نظراً للتفاوت الواسع بين سعر صرف عملاتها، وأسعار عوائدها على الودائع، وأيضاً لوجود فوارق ظاهرة تتعلق بفوائض السيولة المتوافر لدى بنوك كل دولة.
فالبنوك المصرية تمنح عوائد على الودائع الدولارية تصل إلى 7 في المئة على فترات العام، ونحو 20 في المئة للفترة نفسها على الودائع بالعملة المحلية، في وقت تمنح فيه المصارف اللبنانية متوسط أسعار يصل إلى 4.5 على الودائع الدولارية، أما في الكويت فتعطي البنوك أسعار فائدة تقارب 2 في المئة على العملة المحلية، وما بين 3 أرباع وواحد في المئة على الوديعة الدولارية لفترة عام.
ربما لو أجري قبل 9 سنوات استطلاع بين حملة الأموال عن الأسواق التي يفضلونها لإيداع أموالهم، لوجدت الغالبية متفقة على جواب الأسواق التي توفِّر عائداً أكبر، دون الحديث عن معدلات المخاطر المقابلة، لكن في ظل التعقيدات المالية التي شهدتها الكثير من الأسواق والمصارف الكبرى بعيد الأزمة العالمية، باتت شهية عملاء الودائع مدفوعة أكثر بمعدلات المخاطرة أكثر من نسبة العائد، وبالطبع هذا الشعور تحوّل إلى مفهوم، وليس حكراً على مستثمري الكويت.
وقبل التفصيل، يتعين الإشارة إلى أن غالبية مستثمري سوق الودائع يتفقون على أن البنوك الكويتية تعد الأكثر إغراء لهم، رغم انخفاض أسعارها مقابل دول كثيرة تغازل العملاء المحليين والخارجيين بمستويات فائدة عالية جداً، لكن معدل مخاطرها هو الآخر عالٍ جداً، بعكس الكويت.
اقتصادياً، يغذي هذا الرأي أكثر من اعتبار، فمن ناحية يتم قياس كفاءة الإيداع في دولة ما، بناء على معدل تصنيفها وتصنيف مؤسساتها المالية، فهذا المعيار يمثل ركيزة قوية لدى المستثمرين في بناء قراراتهم، لما تحمله التصنيفات من إشارات كافية على القدرة المؤسساتية للحكومة والبنوك بشكل فعال للمحافظة على جدارة الأموال المصرفية في الأجل المتوسط، ولذلك تمنح الدول التي تتمتع بتصنيف عال عوائد أقل من الدول التي تتمتع بتصنيفات منخفضة، إذ إن الأولى تتمتع بثقة أعلى بين العملاء لجهة الحد من المخاطر السلبية على مستقبل أموالهم، أقله خلال فترة الإيداع.
وثبَّتت وكالة «موديز» لخدمات المستثمرين أخيراً، التصنيف السيادي للكويت عند المرتبة «Aa2» مع تغيير النظرة المستقبلية من سلبية إلى مستقرة، فيما أكدت «ستاندرد آند بورز» تصنيف لبنان عند «B-/B» مع نظرة مستقبلية مستقرة، أما مصر فأبقت «ستاندرد آند بورز» في شهر مايو الماضي على تصنيفها السيادي عند «B-/B» مع نظرة مستقرة..
علاوة على ذلك، تتمتع الكويت بمزية إضافية تتمثل في أنها الوحيدة بين الدول الثلاث التي لديها قانون تعزيز الاستقرار المالي، والذي يضمن حماية الدولة للأموال المودوعة في حال تعرض البنك للإفلاس أو لأي تحديات مالية تمنعه مع دفع استحقاقاته للعملاء، وهذا القانون غير موجود في مصر، أما في لبنان فهو يقتصر على الودائع التي لا تتخطى قيمتها 5 ملايين ليرة (نحو 1000 دينار فقط).
ولعل ما يرجح كفة التنافس لمصلحة المصارف المحلية في جذب أموال الودائع، أنها تمنح عوائد غير مباشرة لعملاء الودائع، من شأنها تحسين معدلات العائد بطريقة غير مباشرة، ويتمثل ذلك في مزايا تمنحها عبر حمل بطاقاتها المختلفة، ومن ضمنها استرداد جزء من الأموال المدفوعة لمعدلات تصل إلى 5 في المئة من قيمة المبلغ الذي يجرى سحبه كمشتريات عبر بطاقة البنك، إلى جانب خصومات على شريحة واسعة من السلع والمطاعم والخدمات.
كما تتسابق المصارف المحلية أحياناً إلى عقد اتفاقيات مع وكالات السيارات والأثاث تقضي بتمويل شراء عملائها لهذه السلع دون أي فوائد.
وبالطبع تسيطر مخاوف تذبذب أسعار العملة على قرارات أصحاب فوائض الأموال، حيث ما يمكن تحصيله من فائدة عالية في حال الإيداع في سوق ما، يمكن خسارته بسهولة في حالة تعرض عملة هذه البلد لأي هزة.
وربما هناك من يسعى لتفادي هذه الإشكالية من خلال إيداع أمواله بالعملة الدولارية، إلا أنه سيواجه لاحقاً تحدياً أكبر يتعلق بحركة أمواله إذا قرر نقلها إلى سوق آخر، حيث تُصعّب بعض الدول من إجراءات نقل الأموال، خصوصاً إذا كانت بالعملة الأجنبية.