مرام الأحمري تكتب: عطايا الفن
لماذا نستحسن الفن؟
هل لأنه يخرجنا من الواقع إلى خيال محبب إلينا؟
إننا نستحسن الفن لأنه جزء من كياننا الإنساني، لغة موحدة تجول العالم على مد العصور، ابتداءً من تلك النقوش على الحجر، التي كان هدف الإنسان منها حينها أن يترجم ما يمر به خلال يومه من مخاطر لكي يحذر بها غيره، وأيضاً ليثبت ذاته، بأن إنساناً كان هنا.
يعتقد البعض بأن الفنون كانت ولازالت أحد أساليب الرفاهية فقط، ويستغرب ويستنكر من الفنان الذي يتخذها نهجاً لحياته ويقضي بها ساعات عمره، والحقيقة أنه اعتقاد خاطئ.
الفنون تعطي الإنسان عطايا لا مثيل لها، تجعله أكثر إدراكاً لذاته، وتقلباته، إذ يُخرج الإنسان جزءاً مبهماً غير محسوس من نفسه ويجعله أمامه، بصورة مادية يستطيع تحسسها.
الفن وفقاً للنظريات النفسية يعالج الاضطرابات والتقلبات الحادة، فتلك المشاعر المعقدة كالهوس والاكتئاب والقلق والتوتر، تكون مدمرة للإنسان عادةً، لكن إذا تم توجيه السلوك الإبداعي توجيه صحيح فهو يصبح مهذب لتلك النفس واضطراباتها، إذ أنه يقوم بتفريغ كافة الانفعالات المحبوسة الناتجة عن تلك المشاعر، ويرتقي بالنفس إلى مرحلة الاتزان الداخلي، ويخفف من تلك الصراعات النفسية إلى مستوى يمكن تحمله.
وهنالك من أدركوا ذاتهم وصراعتهم عن طريق الفن، فأخرجوا روائع خالدة كلوحات الفنان الهولندي فان غوخ، وسلسلة أعمال الفنان إدفارت مونش التي كانت أشهرها لوحة الصرخة.
وبعد النظر بتمعن سنجد بأن الفنانين هم أشد الناس صبراً وأكثرهم مرونة ويتسمون بالتقبل السريع لأي مشكلة، فلديهم قدرة عالية لرصد أي نقص، ووجود النقص هو بمثابة تحدي لفطرتهم الإبداعية، فيتجهون سريعاً لخلق أفكار وحلول لتكمل هذا النقص.
الفن في النهاية اسلوب تشافي، لأنه كما يصفه فرويد نقطة التقاء ومنطقة وسطية بين عالم الواقع الذي يحيط الرغبات وعالم الخيال الذي يحققها.
الكاتبة: مرام الأحمري.