من الديره : علي الرندي: المواطن وجشع التاجر
بعيدا عن عالم السياسة الذي أرهق عقولنا من كثرة قضاياه التي يصعب معها الحلول في ظل وجود معوقات يصعب حلها في الوقت الحاضر. فهناك أيضا قضايا اقتصادية مهمة تبحث عن حلول لأضرارها الكثيرة على الحياة الاجتماعية، فكلنا يعلم أن الاقتصاد الكويتي منذ زمن ليس ببعيد وهو مصاب بالعديد من التشوهات التي جعلته عاجزا عن القيام بدوره التنموي، ومن هذه القضايا قضية البيع بالتقسيط، فمن المفترض أن الهدف من هذا البيع هو مساعدة أسر ذوي الدخل المحدود ومتوسطي الدخل في الحصول على احتياجاتها من السلع التي لا تستطيع سداد ثمنها بالكامل (نقدا).
وللأسف الشديد ثقافة الكويتيين يغلب عليها الطابع الاستهلاكي والرفاهية غير المبررة، وهذا يدفعهم إلى قبول أي إضافة يضعها التاجر فوق السعر العادل لثمن السلعة الحقيقي، والتي قد تصل إلى 200% وأكثر مستغل بذلك شهية الكويتيين ورغبتهم في الشراء، ما أدى إلى خروج هذا النظام عن الهدف النبيل المراد منه، ليصبح بمنزلة سيف مسلط على رقاب من يستخدمه، حيث يفاجأ المستهلك الذي استهان بالمقدم البسيط بأنه أرهق نفسه بسيل من الأقساط التي لا يتحملها دخله الشهري.
ويأخذ البيع بالتقسيط أشكالا عديدة نجد في ظاهرها الرحمة وفي باطنها العذاب الشديد فهو يظهر في صورة مشروعة ولكنها تمثل ربا مستتراً، وعد الله عز وجل ورسوله صاحبه بالحرب عليه، ومن الصور القبيحة والتي نذكرها كمثال لهذا النوع من البيع والمنتشرة بكثرة خاصة في شركات السيارات وشركات الأدوات الكهربائية.
والاستغلال بهذه الصورة يتمثل في ان التاجر يقبل بالحصول على مقدم بسيط مقابل حصوله على مكسب كبير جدا من التقسيط ويضمن التاجر حقه في ثمن البضاعة بإجبار المشتري على توقيع كمبيالات على بياض بقيمة الأقساط الشهرية وفي حال سداد قيمة كل قسط يتم إعطاء المدين الإيصال، وفي حالة عدم السداد تضاف فوائد على المبلغ المقسط لتزداد الأعباء لدرجة لا يستطيع معها المدين السداد ليجد نفسه محاصرا بالديون التي تفقده القدرة على التصرف، ما يضطره للجوء إلى وسيلة أكثر قبحا تسمى التكييش وهي بمنزلة بيع السلعة بأقل من ثمنها من أجل الحصول على أموال نقدا تمكنه من السداد ما يزيد من أعبائه بدلا من التخفيف منها.
ولغياب دور الدولة في الرقابة الشديدة على الأسواق والرقابة على الأسعار وعدم وجود تشريعات منظمة لكبح جماح التجار أصحاب النفوس الضعيفة التي تسرق أموال المواطنين البسطاء في غيبة من الدولة، وجب علينا التحذير من خطر الإغراق في البيع والشراء بهذا النظام دون تنظيمه بآليات تشريعية تحمي المشتري من الاستغلال وتضمن للتاجر السداد وعدم المماطلة، وتقلل من المنازعات القضائية، فإذا كان نظام البيع بالتقسيط أحد الأساليب المتبعة لزيادة المبيعات، فيجب استخدامه الاستخدام الصحيح وعدم المبالغة ومضاعفة الفائدة على السلع المباعة بهذه الصورة الفجة.
وهذا يستلزم وضع حد أقصى لتلك الفوائد للتيسير على المواطنين تحقيقا للغاية النبيلة المنشودة من هذا البيع، فضلا عن ضرورة وجود تشريعات رادعة تحارب كل من أراد أن ينتهك حرمات الكويتيين وغيرهم بالجشع والطمع.
فاحذروا جشع بعض التجار