“كلّ قلوب الناس جنسيتي، فلتسقطوا عني جواز السفر” كلمات ردّدها الشاعر محمود درويش وحفظناها عن ظهر قلب. كلمات تظهر المحنة التي يعيشها الإنسان الباحث عن هوية معترف بها بين الأمم، تعطيه حقوقاً تميزه عن غيره من الأشخاص.
لا شكّ في أنّ أحد أهم عناصر الهوية هو الجنسية، التي تعني في مفهومها الاجتماعي وجود رابط بين الفرد والأمة، فيكون الفرد جزءاً من مجموعة من الأشخاص تجمعهم عادات وأعراف وتطلعات مشتركة وتوحدهم مشاعر وأحاسيس الانتماء الواحد، سعياً إلى تحقيق مصلحة مجتمعية مشتركة. أما من الناحية القانونية، فإنّ الجنسية هي الانتماء إلى دولة ما مع ما يترتب على ذلك من خضوع الفرد إلى اختصاص قوانين هذه الدولة وتشريعاتها وقضائها من دون غيرها من الدول.
تعتبر قوانين الجنسية من القوانين السيادية، فيعود إلى كلّ دولة أن تحدد وفقاً لتشريع خاص بها الآليات الشكلية والشروط الموضوعية، التي تمنح على أساسها جنسيتها، أو تلك التي تسمح للأجانب أن يكتسبوا هذه الجنسية. وقد أرسى اجتهاد المحاكم الدولية هذه القاعدة، فلا يمكن أن يفرض على دولة ما الاعتراف بالجنسية لشخص أجنبي من قبل مؤسسات دولية أو وفقاً لتشريع دولي يتعارض مع القانون السيادي للدولة.
تحدد غالبية الدول إطاراً قانونياً للحصول على الجنسية، وغالباً ما يجري التمييز بين منح الجنسية واكتسابها. فمنح الجنسية هي الآلية التي تعني أنّ للمولود حقاً مكتسباً في الحصول على الجنسية منذ ولادته. أما اكتسابها فيعني أنّ للشخص الأجنبي الحق في التقدم بطلب الحصول على جنسية أخرى، إذا توافرت فيه الشروط المحددة قانوناً.
وتتفق معظم القوانين على الأسباب المؤدية إلى منح الجنسية. وترجع ذلك إلى سببين جوهريين: الأول هو صلة النسب، فالمولود يُمنح الجنسية إذا كان والداه أو أحدهما يحمل الجنسية. والثاني هو صلة التراب، فالمولود يعتبر حاملاً جنسية الدولة التي ولد على أراضيها بغض النظر عن جنسية الوالدين. وقد تتبع بعض القوانين نظاماً يجمع بين هذه الأسباب.
أما في ما يتعلق باكتساب الجنسية، فإنّ غالبية الدول تفترض بدايةً إثبات الإقامة الدائمة والمستمرة لفترة معينة، مع وجوب إثبات المستدعي اندماجه الثقافي والاجتماعي في المجتمع، لا سيما اكتسابه اللغة وتأقلمه في العمل وقيامه به بموجب احترام النظام العام والقوانين الإلزامية، لا سيما الضريبية. تجدر الإشارة إلى أنّ الحصول على الجنسية بالاكتساب يخضع لتقدير الإدارة التي تخضع بدورها إلى رقابة القضاء متى تجاوزت في قراراتها حدود السلطة الممنوحة لها قانوناً.
يترتّب على الحصول على الجنسية حصول الفرد على صفة المواطن، فيكون موضوعاً لسلسلة من الحقوق والالتزامات السياسية والقانونية (الحق في الترشح والانتخاب، الحق في الحصول على الوظيفة العامة، موجب الخضوع للخدمة الإلزامية مدنية كانت أو عسكرية على سبيل المثال).
وهي حقوق وموجبات تميز المواطن عن الأجنبي الذي يمكنه أن يحظى ببعضها جزئياً وفقاً لتطور النَفَس الإنساني في المجتمع وتقدمه.